سورة مريم - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}
{واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ} وهو جدّ أبي نوح، فسمّي إدريس لكثرة درسه الكتب، واسمه أخنوخ وكان خيّاطاً، وهو أوّل من كتب بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من تكلّم في علم النجوم والحساب {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} يعني الجنة.
وقال الضّحاك: رفع إلى السماء السادسة، وقيل: الرابعة.
أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني وشعيب بن محمد البيهقي قالا: أخبرنا مكي بن عبدان التميمي قال: حدَّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدَّثنا روح قال: حدَّثنا سعيد عن قتادة في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: حدَّثنا أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء قال: «أتيت على إدريس في السماء: الرابعة».
وكان سبب رفعه على ما قاله ابن عباس وكعب وغيرهما أنّه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا ربّ أنا مشيت يوماً فكيف بمن يحملها خمسمائة عام في يوم واحد؟ اللهمّ خفّف عنه من ثقلها واحمل عنه حرّها، فلمّا أصبح الملك وجد من خفّة الشمس وحرّها ما لا يعرف، فقال: يا ربّ خلقتني لحمل الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال: أما إنّ عبدي إدريس سألني أن اخفّف عنك حملها وحرّها فأجبته، فقال: يا ربّ اجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلّة، فأذن له حتى أتى إدريس وكان يسأله إدريس فكان ممّا سأله أن قال له: أُخبرت أنّك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فازداد شكراً وعبادة، فقال الملك: لا يؤخّر الله نفساً إذا جاء أجلها قال: قد علمت ذلك ولكنه أطيب لنفسي، فقال: نعم أنا مكلّمه لك فما كان يستطيع أن يفعل لأحد من بني آدم فهو فاعله لك، ثم حمله ملك الشمس على جناحه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثمّ أتى ملك الموت فقال: حاجة لي إليك، فقال: أفعل كلّ شيء أستطيعه قال: صديق لي من بني آدم تشفّع بي إليك لتؤخّر أجله قال: ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت فيقدّم في نفسه، قال: نعم، فنظر في ديوانه وأخبر باسمه فقال: إنك كلّمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً، قال: وكيف؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، قال: إنّي اتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فما أراك تجده إلاّ وقد مات، فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء، فرجع الملك فوجده ميّتاً.
وقال وهب: كان يرفع لإدريس كلّ يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه، فعجبت منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت فاستأذن ربّه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم، وكان إدريس صائماً يصوم الدهر، فلّما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس فقال له الليلة الثالثة: إنىّ أُريد أن أعلم من أنت، قال: أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك فأَذن لي، قال: فلي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تقبض روحي، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن اقبض روحه، فقبض روحه وردّها الله عليه بعد ساعة.
قال له ملك الموت: ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال: لأذوق كرب الموت وغمّته فأكون له أشدّ استعداداً، ثم قال إدريس له: لي إليك حاجة أُخرى، قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجّنة وإلى النار، فأذن الله له في رفعه إلى السماوات، فلمّا قرب من النار قال: حاجة قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكاً حتى يفتح لي بابها فأردها، ففعل ثمّ قال: فكما أريتني النار فأرني الجّنة، فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنّة، ثم قال له ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرّك فتعلّق بشجرة وقال: لا أخرج منها، فبعث الله ملكاً حكماً بينهما ينظر في قولهما فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} [آل عمران: 185] وقد ذقته، وقال: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] وقد وردتها، وقال: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] فلست أخرج، فأوحى الله سبحانه إلى ملك الموت: دخل الجنة وبأمري يخرج، فهو حيّ هناك فذلك قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}.
{أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} في السفينة {وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} إلى الإسلام {واجتبينآ} على الأنام {إِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرحمن} يعني القرآن {خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} جمع باك تقديره من الفعل فعول مثل ساجد وسجود وراكع وركوع وقاعد وقعود، جمع على لفظ المصدر، نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عبد الله سّلام وأصحابه.
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} يعيني من بعد النبيّين المذكورين {خَلْفٌ} وهم قوم سوء، والخَلفَ بالفتح الصالح، والخلف بالحزم الطالح، والخلف بسكون اللام الرديء من كلّ شيء، وهم في هذه الآية اليهود ومن لحق بهم. وقال مجاهد وقتادة: في هذه الأُمّة.
{أَضَاعُواْ الصلاة} أي تركوا الصلوات المفروضة، قال ابن مسعود وإبراهيم والقاسم بن مخيمرة: أخّروها عن مواقيتها وصلّوها بغير وقتها.
وقال قرّة بن خالد: استبطأ الضحاك مرّة امتراءً في صلاة العصر حتى كادت الشمس تغرب فقرأ هذه الآية {أَضَاعُواْ الصلاة} ثمَّ قال: والله لئن أدعها أحبّ إلىّ من أن اضيّعها، وقرأ الحسن: اضاعوا الصلوات {واتبعوا الشهوات} قال مقاتل: استحلّو نكاح الأخت من الأب، وقال الكلبي: يعني اللذات وشرب الخمر وغيره، قال مجاهد: هذا عند اقتراب الساعة وذهاب صالحي أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في السكك والأزقّة زناة.
وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: يكون خلف من بعد ستّين سنة {أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات} الآية.
وقال علىّ بن أبي طالب: «هذا إذا بني المشيد ورُكب المنظور ولبس المشهور»، وقال وهب: فخلف من بعدهم خلف شرّابون للقهوات، لعّابون بالكعبات، ركّابون للشهوات، متبعون للذّات، تاركون للجُمعات، مضيّعون للصلوات، وقال كعب: يظهر في آخر الزمان أقوام بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس، ثمَّ قرأ {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات}.
{فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} قال عبد الله بن مسعود: الغيّ نار في جهنّم، وقال ابن عباس: الغىّ واد في جهنم وإنّ أودية جهنم لتستعيذ من حرّها، أُعدّ ذلك الوادي للزاني المصرّ عليه، ولشارب الخمر المدمن عليها، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً. وقال عطاء: الغىّ واد في جهنم يسيل قيحاً ودماً. وقال وهب: الغىّ نهر في النار بعيد قعره، خبيث طعمه، وقال كعب: هو واد في جهنم أبعدها قعراً وأشدّها حرّاً، فيه بئر تسمى البهيم كلّما خبت جهنّم فتح الله تلك البئر فسعّربها جهنم، وقال الضحاك: خسراناً وقيل: عذاباً، وقيل: ألماً، وقيل: كفراً.
{إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب} ولم يروها {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} يعني آتياً، قال الأعشى:
وساعيت معصيّاً إليها وشاتها. أي عاصياً.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} في الجنة {لَغْواً} باطلاً وفحشاً وفضولاً من الكلام، قال مقاتل: يميناً كاذبة {إِلاَّ سَلاَماً} استثناء من غير جنسه يعني بل يسمعون فيها سلاماً أي قولاً يسلمون منه، وقال المفسّرون: يعني تسليم بعضهم على بعض تسليم الملائكة عليهم {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} يعني على مقدار طرفي النهار.
أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جعفر بقراءتي عليه قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه قال: حدَّثنا موسى بن هارون قال: حدَّثنا بشر بن معاذ الضرير قال: حدَّثنا عامذ بن سياق عن يحيى بن أبي كثير قال: كانت العرب في زمانها من وجد غداءً مع عشاء فذلك هو الناعم، فأنزل الله سبحانه {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} قدر ما بين غدائهم وعشائهم.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر قال: حدَّثنا علي بن محمد بن سختويه قال: حدَّثنا موسى ابن هارون قال: حدَّثنا داود بن رشيد قال: حدَّثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قول الله سبحانه {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} قال: ليس في الجنة ليل، هم في نور أبداً وإنّما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب، ومقدار النهار برفع الحجب.
{تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} وقرأ يعقوب: نورّث بالتشديد، والاختيار التخفيف؛ لقوله ثُمَّ اَوْرَثْنَا {مَن كَانَ تَقِيّاً} {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية.
أخبرنا عبد الله بن حامد وشعيب بن محمد قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر قال: حدَّثنا روح بن عبادة، قال: حدَّثنا عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: يا جبرئيل ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا؟ فأنزل الله سبحانه {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ}.
وقال مجاهد:أبطأت الرّسل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم أتاه جبرئيل فقال: «ما حبسك؟» فقال: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصّون أظفاركم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون؟ فأنزل الله سبحانه {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية.
وقال عكرمة والضّحاك ومقاتل وقتادة والكلبي:احتبس جبرئيل عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والرّوح فلم يدر ما يجيبهم، ورجا أن يأتيه جبرئيل بجواب ما سألوه فأبطأ عليهَ قال عكرمة: أربعين يوماً. وقال مجاهد: اثنتي عشرة ليلة وقيل: خمس عشرةَ فشقّ ذلك على رسول الله صلى اللّه عليه وسلم مشقة شديدة، وقال المشركون: ودّعه ربّه وقلاه، فلمّا أنزل جبرئيل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبطأت عليَّ حتى ساء ظنّي واشتقت إليك»، فقال له جبرئيل: إنىّ كنت أشوق إليك ولكنّي عبد مأمور إذا بُعثت نزلت وإذا حُبست احتبستُ، فأنزل الله تعالى {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} وأنزل {والضحى * واليل إِذَا سجى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} [الضحى: 1-3].
وقيل: هذا إخبار عن أهل الجنة، أنّهم يقولون عند دخولها: ما تتنزل هذه الجنان إّلا بأمر الله {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} قال مقاتل: له ما بين أيدينا من أمر الآخرة {وَمَا خَلْفَنَا} من أمر الدنيا {وَمَا بَيْنَ ذلك} يعني بين النفختين، وبينهما أربعون سنة، وقيل: كان له ابتداء خلقنا وله كان منتهى آجالنا، وله كان مدّة حياتنا.
ويقال: {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من الثواب والعقاب وأُمور الآخرة {وَمَا خَلْفَنَا} ما مضى من أعمالنا في الدنيا {وَمَا بَيْنَ ذلك} أي ما يكون منّا إلى يوم القيامة. ويقال: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} قيل أن يخلقنا {وَمَا خَلْفَنَا} بعد أن يميتنا {وَمَا بَيْنَ ذلك} ما هو فيه من الحياة، ويقال: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} إلى الأرض إذا أردنا النزول إليها {وَمَا خَلْفَنَا} أي السماء إذا نزلنا منها {وَمَا بَيْنَ ذلك} يعني السماء والأرض، يريد أن كل ذلك لله سبحانه فلا تقدر على فعل إلاّ بأمره.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} أي ناسياً إذا شاء أن يرسل إليك أرسل. {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ} أي واصبر على عبادته {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} قال ابن عباس: مثلاً، وقال سعيد بن جبير: عدلاً، وقال الكلبي: هل تعلم أحداً يسمى الله غيره.
{وَيَقُولُ الإنسان} يعني أُبىّ بن خلف الجمحي {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ} من القبر {حَيّاً} استهزاءً وتكذيباً منه بالبعث.
قال الله سبحانه {أَوَلاَ يَذْكُرُ} أي يتذكّر ويتفكّر، والأصل يتذكر، وقرأ ابن عامر ونافع وعاصم ويعقوب يذكر بالتخفيف، والاختيار التشديد لقوله سبحانه {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} [الرعد: 19] وأخواتها، يدل عليه قراءة أُبي {يتذكر الإنسان} يعني أُبىّ بن خلف الجمحي {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} ثمّ أقسم بنفسه فقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} لنجمعنّهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث {والشياطين} مع الشياطين يعني قرناءهم الذين أضلّوهم، يُقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} يعني في جهنم {جِثِيّاً} قال ابن عباس: جماعات جماعات، وقال مقاتل: جميعاً وهو على هذا القول جمع جثوة، وقال الحسن والضحاك: جاثية على الركب وهو على هذا التأويل جمع جاث. قال الكميت:
همُ تركوا سراتهمُ جثيّاً *** وهم دون السراة مقرنينا
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} لنَخرجنّ من كلّ أُمّة وأهل دين {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً} عتوّاً قال ابن عباس: يعني جرأةً، وقال مجاهد: فجوراً وكذباً، قال مقاتل: علوّاً، وقيل: غلوّاً في الكفر، وقيل: كفراً، وقال الكلبي: قائدهم رأسُهم في الشرّ.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب قال: حدَّثنا الحسن بن علي قال: حدَّثنا أبو أُسامة عن سفيان عن علي بن الأرقم عن أبي الأحوص قال: نبدأ بالأكابر فألاكابر {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً} أي أحقّ بدخول النار، يقال: صلي يصلى صلياً مثل لقي يلقى لقيّاً وصلى يصلى صلياً مثل مضى يمضي مضياً.


{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)}
{وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قيل: في الآية اضمار مجازه: والله إنْ منكم يعني ما منكم من أحد ألاّ واردها يعني النار، واختلف الناس في معنى الورود حسب اختلافهم في الوعيد، فأمّا الوعيد فإنّهم قالوا: إنّ من دخلها لم يخرج منها، وقالت المرجئة: لا يدخلها مؤمن، واتّفقوا على أنّ الورود هو الحضور والمرور، فأمّا أهل السنّة فإنّهم قالوا: يجوز أن يعاقب الله سبحانه العصاة من المؤمنين بالنار ثم يخرجهم منها، وقالوا: معنى الورود الدخول، واحتجّوا، بقول الله سبحانه حكاية عن فرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود} [هود: 98] وقال في الأصنام وعبدتها {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] {لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} [الأنبياء: 99] فلو لم يكن الورود في هذه الآيات بمعنى الدخول لوجب أن يدخل الأصنام وعبدتها وفرعون وقومه الجنّة لأن من مرَّ على النار فلابّد له من الجنّة لأنه ليس بعد الدنيا دار إلاّ الجنّة أو النار، والذي يدلّ على أنّ الورود هو الدخول قوله في سياق الآية {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} والنجاة لا تكون إلاّ ممّا دخلت فيه وأنت ملقىً فيه، قال الله سبحانه {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين} [الأنبياء: 88] واللغة تشهد لهذا، تقول العرب: ورد كتاب فلان، ووردتُ بلد كذا، لا يريدون جزت عليها وإنّما يريدون دخلتها، ودليلنا أيضاً من السنّة.
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الله المزني قال: حدَّثنا محمد بن نصر بن منصور الصائغ الشيخ الصالح قال: حدَّثنا سليمان بن حرب قال: حدَّثنا أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سميّة قال: اختلفنا في الورود ها هنا بالبصرة فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعاً، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأهوى بإصبعيه إلى أُذنيه وقال: صمّتا إن لم أكن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الورود: الدخول، لا يبقى بّر ولا فاجر إلاّ دخلها فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، حتى أنّ للنار أو لجهنم ضجيجاً لمن تردهم {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً}».
وأخبرنا شعيب بن محمد وعبد الله بن حامد قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدَّثنا روح بن عبدان قال: حدَّثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنّ نافع بن الأزرق ما رأى ابن عباس يقول ابن عباس: الورود الدخول ويقول نافع ليس الورود الدخول فتلا ابن عباس {حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] أدخل هؤلاء أم لا؟ {فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود}
[هود: 98] أدخل هؤلاء أم لا؟ والله أنا وأنت فسنردها، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك.
وبإسناده عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: ما من مسلم يموت له ثلاث من الولد إلاّ لم يلج النار إلاّ تحلّة القَسَم ثم قرأ {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}.
وبإسناده عن روح قال: حدَّثنا شعبة قال: أخبرني إسماعيل السدىّ عن مرّة الهمداني عن ابن مسعود في قوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قال: يردونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم.
وبه عن روح عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف، تمرّ الطائفة الأُولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجوَد الخيل، والرابعة كأجود البهائم، ثمّ يمرّون والملائكة يقولون: اللهمّ سلّم سلّم.
أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد الاصبهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الهروي قال: حدَّثنا الحسين بن إدريس قال: حدَّثنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن سفيان بن عيبنة عن رجل عن الحسن قال: قال رجل لأخيه: أي أخ هل أتاك أنكّ وارد النار؟ قال: نعم، قال: فهل أتاك أنّك خارج منها؟ قال: لا، قال: ففيم الضحك إذاً؟ قال: فما رؤي ضاحكاً حتى مات.
وبإسناده عن عبد الله بن المبارك عن مالك بن معول عن أبي إسحاق عن ابن ميسرة أنّه أوى إلى فراشه فقال: يا ليت أُمي لم تلدني، فقالت امرأته: يا أبا ميسرة، إنّ الله سبحانه قد أحسن إليك، هداك إلى الإسلام فقال: أجل، ولكنّ الله قد بيّن لنا أنّا واردو النار ولم يبيّن لنا أنّا صادرون منها، وأنشد في معناه:
لقد أتانا ورود النار ضاحية *** حقّاً يقيناً ولمّا يأتِّنا الصَّدَرُ
فإن قيل: فخبّرونا عن الأنبياء هل يدخلون النار؟ يقال لهم: لا تطلق هذه اللفظة بالتخصيص فيهم بل نقول: إنّ الخلق جميعاً يردونها.
فإن احتجّوا بقوله: {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23] يقال لهم: إنّ موسى لم يمرّ على تلك البئر، وإنّما استقى لابنتي شعيب وروى الأغنام وأقام، وهو معنى الدخول، والعرب تعبر عن الحي وأماكنهم بذكر الماء، فتقول: ماء بني فلان.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يدخلها من قد أخبر الله سبحانه أنّه لا يسمع حسيسها ولا يدخلها؟ قيل: إن الله سبحانه أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنّهم لا يسمعون حسيسها فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة لأن الله سبحانه لم يقل: لم يسمعوا حسيسها ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها إذ الله عزّ وجلّ قادر على ان يجعلها عليهم برداً وسلاماً.
وكذلك تأويل قوله لا يَدْخُلونَ النّارَ أي لا يخلدون فيها، أو لا يتألّمون ويتأذّون بها، يدلّ عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر قال: حدَّثنا مؤمّل بن إسماعيل عن أبي هلال عن قتادة عن أنس في قول الله سبحانه: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] فقال: إنّك من تخلّد في النّار فقد أخزيته.
والدليل على أنّ الخلق جميعاً يدخلون النار ثمَّ ينجي الله المؤمنين بعضهم سالمين غير آلمين وبعضهم معذّبين معاقبين ثم يدخلهم جميعاً الجنة برحمته، ما أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا حاجب بن محمد قال: حدَّثنا محمد بن حامد الأبيوردي قال: حدَّثنا أبو سعيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أُم مبشر «عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: إنّي أرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية قالت: قلت: يا رسول الله أليس قد قال الله سبحانه {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}؟ قال: أفلم تسمعيه يقول: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً}».
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان قال: أخبرنا جبغوية بن محمد قال: أخبرنا صالح بن محمد بن عبد العزيز بن المسيّب عن الربيع بن بدر عن أبي مسعود عن العباس عن كعب أنّه قال في هذه الآية {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قال: ترفع جهنّم يوم القيامة كأنّها متن اهالة وتستوي أقدام الخلائق عليها، فينادي مناد أن خذي أصحابك ودعي أصحابي، فتخسف بهم وهي أعرف بهم من الوالدة بولدها، ويمرّ أولياء الله عزّ وجلّ بندي ثيابهم، وقال خالد بن معدان: يقول أهل الجنة: ألم يعدنا ربّنا أن نرد النّار؟ فيقال: بلى ولكنّكم مررتم بها وهي خامدة.
وروى خالد بن أبي الدريك عن يعلى بن منبّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تقول النار للمؤمن يوم القيامة جزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي».
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب قال: حدَّثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي قال: حدَّثنا عبد الرَّحْمن بن أبي حمّاد عن يحيى بن يمان عن عثمان الأسود عن مجاهد في قوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قال: من حُمَّ من المسلمين فقد وردها.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدَّثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرّة».
{ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} يعني اتقوا الشرك وهم المؤمنون، وفي مصحف عبد الله: ثَمّ ننجي بفتح الثاء يعني هناك {وَّنَذَرُ الظالمين} أي الكافرين {فِيهَا} في النار {جِثِيّاً} جميعاً، وقيل: على الرُّكَب.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن قال: حدَّثنا داود بن سليمان قال: حدَّثنا عبد بن حميد قال: حدَّثنا سعيد بن عامر عن حشيش أبي محرز قال: سمعت أبا عمران الجوني يقول: هبك ننجو بعد كم ننجو؟
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بينات قَالَ الذين كَفَرُواْ} يعني النضر بن الحرث ودونه من قريش {لِلَّذِينَ آمنوا} يعني فقراء أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة، وكان المشركون يرجّلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون خير ثيابهم فقالوا للمؤمنين: {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً} منزلاً ومسكناً، وقرأ أهل مكة مقاماً بالضّم أي إقامة {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} يعني مجلساً، ومثله النادي، ومنه دار الندوة لأنّ المشركين كانوا يجلسون فيها ويتشاورون في أُمورهم، قال الله تعالى مجيباً لهم {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً} أي متاعاً، وقال ابن عباس: هيئة وقال مقاتل: ثياباً. {وَرِءْياً} أي منظراً، وقرأ أُبي: وزّياً بالزاي وهو الهيئة.
{قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً} أي فليدعه في طغيانه ويمهله في كفره {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب {إِمَّا العذاب} في الدنيا {وَإِمَّا الساعة} يعني القيامة {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً} أهم أم المؤمنون.
{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} أي إيماناً ويقيناً يعني المؤمنين، يقال: ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ {والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} عاقبة ومرجعاً {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا}.
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدَّثنا أبو معاوية قال: حدَّثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خبّاب بن الأرتّ قال: كان لي دَين على العاص فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد قلت: لا والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فإنّي إذا متّ ثم بعثت جئتني، وسيكون لي ثَمّ مال وولد فأُعطيك، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال الكلبي ومقاتل: كان خبّاب بن الأرتّ قيناً وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي وكان العاص يؤخّر حقّه الشيء بعد الشيء إلى الموسم، فكان حسن الطلب فصاغ له بعض الحلي فأتاه يتقاضاه الأجرة فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك، فقال له الخباب: لست مفارقك حتى تقضي، فقال له العاص: يا خبّاب مالك؟ ماكنت هكذا وإن كنت حسن الطلب المخالطة، فقال خبّاب: ذلك أنّي كنت على دينك فأمّا اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك فلا، قال: أفلستم تزعمون أنّ في الجنة ذهباً وفضة وحريراً؟ قال الخبّاب: بلى، قال: فأخرّني حتى أقضيك في الجنة استهزاءً فو الله لئن كان ما تقول حقاً فإنىّ لأفضل فيها نصيباً منك، فأنزل الله سبحانه {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} يعني العاص {وَقَالَ لأُوتَيَنَّ} لأُعطين {مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الغيب} قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟ وقال مجاهد: أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟ {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} يعني أم قال: لا إله إلا الله، وقال قتادة: يعني عملاً صالحاً قدّمه، وقال الكلبي: عهد إليه أنّه يُدخله الجنة.
{كَلاَّ} ردٌّ عليه يعني لم يفعل ذلك {سَنَكْتُبُ} سنحفظ عليه {مَا يَقُولُ} يعني المال والولد. {وَيَأْتِينَا فَرْداً} في الآخرة ليس معه شيء.
{واتخذوا} يعني مشركي قريش {مِن دُونِ الله آلِهَةً} يعني الأصنام {لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} في الآخرة ويتبرأون منهم {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} أعداء وقيل: أعواناً.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} يعني سلّطناهم عليهم وذلك حين قال لإبليس {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] الآية.
{تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} قال ابن عباس: تزعجهم ازعاجاً من الطاعة إلى المعصية. وقال الضحاك: يأمرهم بالمعاصي أمراً، وقال سعيد بن جبير: تغريهم إغراءً وقال مجاهد: تشليهم أشلاءً وقال الأخفش: توهجهم، وقال المؤرّخ: تحرّكهم، وقال أبو عبيد: تغويهم وتهيجهم، وقال القتيبي: تخرجهم إلى المعاصي، وأصله الحركة والغليان ومنه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ولجوفه أزيز كأزيز المرجل».
{فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بالعذاب {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} قال الكلبي: يعني الليالي والأيام والشهور والسنين، وقيل: الأنفاس، يقال: إنّ المأمون كان يقرأ سورة مريم وعنده الفقهاء فلمّا انتهى إلى هذه الآية التفت إلى محمد بن السماك مشيراً عليه بأن يعظه فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد، ولم يكن لها مدد، فما أسرع ما تنفد.
{يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين} يعني الموحّدين {إِلَى الرحمن وَفْداً} أي جماعات وهو جمع وافد مثل راكب وركب وصاحب وصحب.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدَّثنا محمد بن يحيى قال: حدَّثنا............. وهب بن جرير عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن رجل عن أبي هريرة {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} قال: على الإبل، وقال ابن عباس: ركباناً يؤتون بنوق عليها رحال الذهب، وأزمّتها الزبرجد فيحملون عليها، وقال علىّ بن أبي طالب: «ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها ذهب، ونجائب سرجها يواقيت، إن همّوا بها سارت، وإن همّوا بها طارت».
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن شاذان عن صعوبة بن محمد، حدَّثنا صالح ابن محمد عن إبراهيم بن عن صالح بن صدقة «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} قال: قلت: يا رسول الله إني رأيت وفود الملوك فلم أرَ وفداً إلاّ ركبانا فما وفد الله؟ قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: يا علي إذا كان المنصرف من بين يدي الله تلقّت الملائكة المؤمنين بنوق بيض رحالها وأزّمتها الذهب، على كلّ مركب حُلّة لا تساويها الدنيا، فيلبس كلّ مؤمن حلّته ثم يستوون على مراكبهم فتهوى بهم النوق حتى تنتهي بهم إلى الجنة تتلقّاهم الملائكة {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} [الزمر: 73]».
وقال الربيع: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} قال: يفدون إلى ربهم فيكرمون ويعطون ويحيون ويشفعون {وَنَسُوقُ المجرمين} يعني الكافرين {إلى جَهَنَّمَ وِرْداً} قال المفسّرون: عطاشى، مشاة على أرجلهم قد تقطّعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء، اسم على لفظ المصدر {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة * إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} يعني لا إله إلاّ الله، ومن في موضع النصب على الاستثناء.
قال ابن عباس: يعني لا يشفع إلاّ من شهد أن لا إله إلاّ الله تبرّأ من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله عزّ وجلّ.
وقال بعضهم: معناه إلاّ لمن اتخذ، نظيره {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28] قال مقاتل {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} يعني اعتقد بالتوحيد.
وقال قتادة: عمل بطاعة الله، وروى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله علائم يقول لأصحابه ذات يوم: «أيعجز أحدكم أن يتّخذ كلّ صباح ومساء عند الله عهداً؟ قالوا: كيف ذاك؟ قال: يقول كلّ صباح ومساء: اللهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنىّ أشهد أن لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير، وإنّي لا أثق إلاّ برحمتك فاجعل لي عندك عهداً توفّينيه يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد، فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الرَّحْمن عهدٌ فيدخلون الجنة؟».


{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} يعني اليهود والنصارى، ومن زعموا أنَّ الملائكة بنات الله، وقرأ حمزة والكسائي وُلداً بضممّالواو وجزم اللام وهي أربعة مواضع ها هنا، وحرف في سورة الزخرف، وحرف في سورة نوح، والباقون بالفتح، وهما لغتان مثل العرب والعُرب والعجم والعُجم.
قال الشاعر:
فليت فلاناً كان في بطن أُمّه *** وليت فلاناً كان ولْد حمار
مخففاً وقيس بجعل الولد بالضم جمعاً والولد بالفتح واحداً.
{لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} قال ابن عباس: منكراً، وقال قتادة ومجاهد: عظيماً، وقال الضحاك: فظيعاً وقال مقاتل: معناه لقد قلتم قولاً عظيماً، نظيره قوله: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً} [الإسراء: 40] وإلادّ في كلام العرب أعظم الدواهي، قال رؤبة:
نطح شىّ أد رؤوس الأداد ***
وفيه ثلاث لغات: إدّ بالكسر وهي قراءة العامة، وأد بالفتح وهي قراءة السلمي، وآد مثل ماد وهي لغة بعض العرب {تَكَادُ السماوات} قرأ نافع والكسائي بالياء لتقديم الفعل، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السماوات {يَتَفَطَّرْنَ} يتشقّقن منه وقرأ أبو عمرو ينفطرن بالنون من الانفطار وهو اختيار أبي عبد اللَّه لقوله عز وجل {إِذَا السمآء انفطرت} [الإنفطار: 1] وقوله: {السمآء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] الباقون بالتاء من التفطّر {وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} قال ابن عباس: وقرأ مقاتل: وقطعاً وقال عطاء: هدماً، أبو عبيد: سقوطاً {أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً} يعني لأن دعوا، ومن قرأ جعلوا وقالوا للرحمن ولداً، قال ابن عباس وأُبي بن كعب: فزعت السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلاّ الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم وقالوا لله عزّ وجلّ ولد، ثم نفى سبحانه عن نفسه الولد فقال: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} يعني انه لا يفعل ذلك ولا يحتاج إليه ولا يوصف به {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً} لا ولداً {لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} أنفاسهم وأيامهم فلا يخفى عليه شيء {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ} جائيه {يَوْمَ القيامة فَرْدا} وحيداً فريداً بعمله ليس معه شيء من الدنيا.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، حدَّثنا محمد بن جعفر بن يزيد، حدَّثنا أحمد بن عبيد المؤدب، حدَّثنا عبد الرزاق، وحدَّثنا عبد الله، نبّأ محمد بن الحسن، نبّأ أحمد بن يوسف السلمي، نبّأ عبد الرزاق، حدَّثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: «قال الله عزّ وجلّ: كذبني عبدي وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياّي فأن يقول: لن يعيدنا كما بَدأنا، وأمّا شتمه إياي فأن يقول: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أُولد ولم يكن لي كفؤاً أحد».
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} أي حبّاً يحبّهم ويحبّبهم إلى عباده المؤمنين من أهل السماوات والأرضين.
أخبرنا عبد الخالق بن علىّ بن عبد الخالق أبو القاسم العاصي أنبأ أبو علي محمد بن أحمد بن حمزه عن الحسن الصوّاف ببغداد، قال أبو جعفر الحسن بن علي الفارسي، عن إسحاق بن بشر الكوفي، عن خالد بن يزيد عن يزيد الزيات، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء عن عازب قال: «قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: يا علي قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}» الآية.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أنبأ عبدوس بن الحسين، نبّأ أبو حاتم بن أبي أويس، حدَّثني مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: أنّه قال: «إذا أحبّ الله العبد قال لجبرئيل: يا جبرئيل قد أحببت فلاناً فأحّبه، فيحبّه جبرائيل ثمَّ ينادي في أهل السماء: إنّ الله عزّ وجلّ قد أحب فلاناً فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء ثم يضع له المحبّة في الأرض وإذا أبغض العبد، قال مالك: لا أحسبه إلاّ قال فى البغض مثل ذلك».
وأخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن يعقوب عن يحيى بن أبي طالب عن عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة في قوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} قال: إي والله ودّ في قلوب أهل الإيمان، وان هرم بن حيّان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله عزّ وجلّ بقلوب أهل الإيمان إليه حتّى يورثه مودّتهم ورحمتهم.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} سهّلناه يعني القرآن {بِلِسَانِكَ} يا محمد {لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين} يعني المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} قال ابن عباس: شداداً في الخصومة وقال الضحاك: جدلاً بالباطل، وقال مقاتل: خصماً، وقال الحسن: صُمّاً، وقال الربيع: صمّ آذان القلوب، وهو جمع ألدّ يقال: رجل ألدّ إذا كان من عادته مخاصمة الناس.
وقال مجاهد: الألدّ الظالم الذي لا يستقيم، وقال أبو عبيد: الألدّ الذي لا يقبل الحق ويدّعي الباطل، قال الله تعالى {وَهُوَ أَلَدُّ الخصام} [البقرة: 204].
أخبرنا عبد الله بن حامد، أنبأ أحمد بن محمد بن الحسين بن السوقي، نبّأ أبو الازهر نبّأ أبو أُسامة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدّ الخصم».
ثمّ خوّف أهل مكة فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ} هل ترى، وقيل: تجد منهم من أحد {أو تسمع لهم ركزاً} وهو الصوت الخفيّ، قال ذو الرمّة:
وقد توجّس ركزاً من سنابكها *** إذ كان صاحب أرض أو به الموم
قال أبو عبيدة: الركز: الصوت والحركة الذي لا يفهمه كركز الكتيبة، وأنشد بيت لبيد:
وتوجّست ركز الأنيس فراعها *** عن ظهر غيب والأنيس سقامها

1 | 2